السودان تلتحق بركب دول الربيع العربي

في عام 2011 استطاع نظام عمر البشير النجاة من موجة التغييرات السياسية  والانقلابات العسكرية التي سميت بـ(الربيع العربي)، بفضل الدعم الخليجي له، ولكن منذ ذلك الوقت والبشير يعاني من عزلة سياسية واقتصادية صاحبتها احتجاجات شعبية تطالب بتنحيه ، وحروب لأجل الانفصال طوال حكمه الذي امتد اكثر من (30) عاما حيث تسلم البشير السلطة في انقلاب عسكري عام 1989. وفي ذلك الوقت كانت الحكومة السودانية المدنية تتقارب مع مصر، وتردد آنذاك أن انقلاب البشير كان يهدف إلى منع التقارب بين السودان ومصر.

اتسم حكم البشير بالقمع والدموية الى حد ان المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات اعتقال بحقه في مارس عام 2009، ويوليو عام 2010، متهمته بخمس جرائم ضد الإنسانية، وجريمتي حرب، و3 جرائم إبادة جماعية بسبب إجراءاته العسكرية في دارفور. 

وفي 2015 عزمت احدى محاكم جنوب أفريقيا بتنفيذ مذكرات المحكمة الجنائية، حينما كان يتواجد البشير في جوهانسبرغ، الا إن حكومة زوما قالت إنها لن تسمح باعتقاله، لأنه كان ضيفاً على الاتحاد الأفريقي.

ومع حلول عام 2011، ومع استقلال جنوب السودان كانت الاحداث في هذا البلد خلفت موت الملايين من ابنائه في حرب استمرت لعقود بين الشمال والجنوب.

واتسم حكم عمر البشير بالانفراد بالسلطة في بلده المترامي الأطراف ، مما تمخض عنه انقسام البلد إلى سودانين في عهده، وكذلك استناده واعتماده في الحكم على دعم (الإخوان المسلمين)المتمثل بالشيخ حسن الترابي، الذي وفر له الغطاء الأيديولوجي للحكم . لكن الترابي نفسه عاد وذاق مرارة طعم البشير، ومات وهو على قطيعة مع الرئيس الذي سار وراءه.

وطوال حكمه لم تخمد اصوات المعارضة الشعبية، بل ظلت تتسع، ولم تستطع القوات الامنية والجيش من ردعها، ولا اعلان حالة الطوارئ، ولا التغيير الشكلي في أسماء الوزراء وحكام الأقاليم، مما حدا اليوم بالجيش بان يتحرك ليقدّم البشير كبش فداء، في محاولة لاستمرار المؤسسة العسكرية في الإمساك بالحكم.

ولذا فليس من قبيل الصدفة أن يواصل المتظاهرون اعتصامهم أمام مقر قيادة القوات المسلحة في الخرطوم، ويطالبوا بتسليم السلطة للشعب وبحماية الجيش لهم من قمع الشرطة.

مما حدا برئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان عوض بن عوف بأن يعلن تنازله عن رئاسة المجلس وتعيين المفتش العام للجيش عبد الفتاح البرهان في هذا المنصب. وأعلن عوض بن عوف كذلك إعفاء نائبه كمال عبد المعروف من منصبه.

وأشار عوض بن عوف إلى أنه ترك المنصب إلى من يثق في كفاءته وقدرته، مؤكدا حرصه على تماسك المنظومة الأمنية في السودان.

ان تعیین عبد الفتاح البرهان لرئاسة المجلس العسكري الانتقالي يظهر مدى التأثير السعودي والاماراتي  في مجريات الاحداث، فان الفريق عبدالفتاح البرهان هو قائد القوات البرية السابق،  والمشرف على القوات السودانية في اليمن بالتنسيق مع محمد حمدان حميدتي وهي خطوة عدها المراقبون بان القادة يسعون لنيل رضا ومباركة امريكا، والخروج من دائرة العُقوبات .

ان نوايا ومعالم سياسات قادة الانقلاب العسكريين لم تتضح بعد ، وهم صرحوا في بداية انقلابهم بان الفترة الانتقالية لتداول السلطة ستكون خلال عامين.

ولاشك انهم الان امام امتحان عسير لكسب ثقة الشعب لكي تنتهي تظاهراتهم واعتصاماتهم ، وان ذلك متوقف على تسليم الحكم للقوى المدنية عبر انتخابات شرعية، وان يظهروا مدى مصداقيتهم في التغيير لأجل الاصلاح عبر تقديم رأس الحكم السابق عمر البشير ومن كان معه من المسؤولين الى القضاء لينالوا الجزاء العادل جراء الجرائم التي اقترفوها طوال حكمهم. وان يصغي القادة للمعارضة التي أعلنت ثلاثة شروط لفض اعتصامها أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، ونصت المطالبُ التي طرحتْها (قوى إعلان الحرية  والتغییر) على ضمان عملية النقل الفوري للسلطة إلى حكومة مدنية انتقالية عبر المجلس القيادي لقوى إعلان الحریة والتغییر، كما شملت إلغاء أي قرارات تعسفية من قيادات لا تمثلها ولا تمثل الشعب والتحفظ على کافة رموز السلطة الماضية من المتورطین في جرائم ضد الشعب.

وأما اذا ثبت ما تروّجه وسائل الاعلام بأن البشير تم تهريبه من قبل قادة الانقلاب الى دولة اخرى فهذه ستكون القشة التي ستقصم ظهر البعير ، وسيواصل الشعب احتجاجه ورفضه لقادة العسكر الجدد كما رفضوا بالأمس البشير وطاقمه الذين جعلوا البلد يعيش في ازمات متتالية كلفت السودان الكثير من الخسائر في الارواح والاموال.