نيلسون مانديلا

يعتبر نيلسون مانديلا من أبرز القادة الثوريين الذين ألهبوا القارة السوداء بمقاومتهم ورفضهم للتمييز العنصري للمستعمر حتى توّج نضاله السياسي بأن أصبح أول رئيس أسود اللون يحكم جنوب إفريقيا عام 1994.

الولادة والنشأة

ولد نيلسون مانديلا في تموز عام  1918 في بلدة "مفيزو" فى منطقة ترانسكاي بجنوب أفريقيا، وكانت مستعمرة بريطانية، وسمَّاه أبوه "دوليهلاهلا" (المشاكس باللغة الأفريكانية) لكنه سُمِّيَ في مدرسة الإرسالية الابتدائية "نيلسون" بعد أن عجز أساتذته البيض عن نطق اسمه.

ويعتبر مانديلا من الأطفال القلائل الذين استطاعوا دخول المدرسة الابتدائية في افريقيا، وأكمل دراسته  وسجل نجاحا وتفوقا ملحوظا فيها. وبعد ذلك التحق بكلية (فورت هاري)، لكنه طرد منها مع رفيقه أوليفر تامبو عام 1940 بسبب مشاركته في الاحتجاجات الطلابية على سياسة التمييز العنصري، ولم يستطع إكمال دراسته بشكل منتظم، فأكملها بالمراسلة في جوهانسبرغ، وحصل على "ليسانس" الحقوق.

التجربة السياسية

بدأ رحلته مع السياسة في العشرين من عمره، وانضم سنة 1942 إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي المعارض لسياسة التمييز العنصري، ونشط فيه، وعمل على تحويله إلى حركة جماهيرية تستقطب مختلف الفئات الأفريقية.

وحينما بدأ الحزب ما عُرِفَ "بحملة التحدي" تنقّل مانديلا داخل البلاد محرّضا على مقاومة قوانين التمييز العنصري، فصدر الحكم بسجنه مع وقف التنفيذ، ومُنِع من مغادرة جوهانسبرغ لمدة ستة أشهر، استغلها لإعداد خطة لتحويل فروع الحزب إلى خلايا للمقاومة السرية.

وبعد أحداث مذبحة "شاريفيل" سنة 1960 التي أطلق فيها رجال الشرطة النار على المتظاهرين وسقط المئات من القتلى والجرحى، حضرت السلطات كافة نشاطات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وتم اعتقال مانديلا.

وبعد الإفراج عنه سنة 1961 قاد المقاومة السرية، وسافر إلى الجزائر عام 1962 لترتيب دورات تدريبية لأعضاء الجناح العسكري للحزب، وبعد عودته اعتقل بتهمة مغادرة البلاد بطريقة غير قانونية، والتحريض على الإضرابات وأعمال العنف، وحينما بدأت محاكمته تولى هو الدفاع عن نفسه.

وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، وقبل أن ينهيها صدر عليه حكم بالسجن المؤبد سنة 1964، ولم تلن عزيمته رغم الظروف القاسية في السجن، ولم يتخل أو يتراجع عما آمن به، فرفض عرضا من سجّانيه بالإفراج عنه مقابل عودته لقبيلته والتخلي عن المقاومة.

ورغم وجوده خلف قضبان السجن الا انه أصبح رمزا دوليا للكفاح والنضال والمقاومة ضد العنصرية، فرضخت حكومة جنوب أفريقيا للضغوط الداخلية والدولية وأطلقت سراحه عام 1990، بعد أكثر من 27 عاما قضاها في السجن.

وبعد الإفراج عنه أعلن وقف الكفاح المسلح، وانتُخب نيلسون مانديلا رئيسًا للمؤتمر الوطني الأفريقي سنة 1991، وتفاوض مع رئيس البلاد آنذاك، فريدريك ويليام دي كليرك، على إجراء أول انتخابات متعددة الأعراق في البلاد. فأُجريت أول انتخابات ديمقراطية في  27 نيسان 1994، ليفوز مانديلا ويصبح أول رئيس أسود في تاريخ جنوب أفريقيا بعد أن قامت كل أطياف الشعب بالتصويت له، وحكم جنوب إفريقيا منذ عام 1994 م، وحتى عام 1999 م.

وسعى مانديلا بعد توليه سدّة الرئاسة إلى الانتقال بالبلاد من حكم الأقلية إلى حكم الأغلبية السوداء. 

وفي سنة 1999 قرر التقاعد فلم يترشح لفترة رئاسية ثانية، واشتغل بالأعمال الخيرية من خلال مؤسسة مانديلا الخيرية لمكافحة الإيدز، وصندوق نيلسون مانديلا للطفولة.

انجازاته السياسية

1- رئيس المؤتمر الوطني الإفريقي في عام 1950 م.

2- حملته لمكافحة التمييز العنصري: اشترك نيسلون مانديلا مع شريكه في مكتب المحاماة أوليفر تامبو، في تأسيس حملة لمكافحة التمييز العنصري.

3- نشاطه السري في المؤتمر الإفريقي للشباب: بدأ مانديلا في العمل السري في مؤتمر الشباب الإفريقي، ورغم ذلك ازداد الاضطهاد، وازدادت حوادث القتل من الشرطة للسود، وعرفت حينها تلك المجزرة باسم مجزرة شاربفيل.

4- تشكيل نظام ديمقراطي جديد: أطلق سراح نيلسون مانديلا عام 1990 م، بعد الضغوطات التي حدثت في الفترة السابقة، وتم رفع الحظر عن المؤتمر الإفريقي، وتأسيس نظم جديدة تقوم على الديمقراطية والمساواة، وتدين العنصرية وكل أشكال التمييز.

5- جائزة نوبل للسلام: حصل نيلسون مانديلا على جائزة نوبل للسلام، عام 1993 م، وذلك بسبب جهوده في تحقيق العدل والمساواة، ومحاربته لكل أشكال التمييز العنصري.

6- معارضته لسياسة جورج بوش الدموية : انتقد نيلسون مانديلا سياسة بوش القائمة على القتل، وذلك في عدة خطابات له، وعارض هجوم بوش على العراق في كلمته التي ألقاها أمام المنتدى الدولي للمرأة.

7- دعم قضية فلسطين المحتلة : طلب نيلسون مانديلا من الكيان الصهيوني وقف العنف في الأراضي الفلسطينية، والانسحاب من كل الاراضي التي يحتلها، واعلن ذلك في زيارته التي أجراها لقطاع غزة عام 1999 م. 

توفي نيلسون مانديلا في 5 كانون الأول عام 2013 بجنوب أفريقيا بعد صراع طويل مع المرض، وودعه شعبه بالدموع والزهور، وحضر جنازته عدد كبير من قادة العالم، وأعلنت دول كثيرة الحداد حزنا عليه، ورحل عن عمر ناهز الـ (95) عاما.