ظاهرة أصحاب (السترات الصفراء) وانعكاسها وتأثيرها على الواقع العراقي

اجتاحت فرنسا مؤخرا تظاهرات احتجاجية عارمة  بسبب ارتفاع سعر الوقود أصحابها مجاميع يرتدون السترات الصفراء وهي الستر الخاصة بالرؤية الليلية لسائقي السيارات.ليصبحوا حركة ذات قاعدة شعبية واسعة لها تأثيرها على الرأي العام في البلاد وكذلك الحكومة.

من هم اصحاب السترات الصفراء

يعود أصل الفكرة الى قانون عام 2008م وفيه يتوجب على جميع قائدي السيارات حمل سترات صفراء مميزة وارتدائها عند خروج السيارة عن الطريق في حالة الطوارئ.

وحينما ارتفعت الضرائب على الوقود في فرنسا خرج المتظاهرون في البداية لوقف تطبيق تلك الضرائب ولكن مع تزايد أعداد المتظاهرين ارتفع سقف المطالب ليصل الى ٤٠ مطلباً، في مقدمتها وقف ارتفاع تكاليف المعيشة وتعزيز القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة.

وتوسعت الحركة لتشمل قطاعات واسعة من المجتمع كالسائقين والعاملين في القطاع العام والخاص والموظفين والمزارعين وغيرهم .

وازداد عدد المشاركين ليصل الى اكثر من ١٣٦ ألف شخص في فرنسا، ونتج عن تلك التظاهرات والاحتجاجات قتل ثلاثة وإصابة ١٠٤٣ شخصا بجروح، وتم توقيف ٦٣٠ شخصا وحبس تسعة أشخاص بعقوبات تصل إلى الحبس 18 شهرا.مع خسائر تقدر بـ(٤٠٠) مليون يورو لشركات النقل، وانخفاض نسبة الحجوزات في الفنادق بنسبة تصل إلى ٢٠٪، وانخفاض مبيعات المطاعم بنسب تتراوح بين ٢٠ ــ ٥٠٪، وخسائر في شارع الشانزلزيه تصل إلى ٤ ملايين يورو، وخسائر لأصحاب المطاعم التجارية بلغت ٨ ملايين يورو.

وتأتي خطورة الحركة بأن قياداتها غير محددة مع وجود ناطقين بإسمها يتوزعون في مناطق عديدة من فرنسا ، وينضم وبصورة غير مباشرة الكثير من الاحزاب والمؤسسات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني دون ان يتبنى الحركة أياً منهم ليهربوا من المساءلة القانونية ، وبعددهم الكبير استطاعوا فرض ارادتهم على ارض الواقع من قطع الطرق وايقاف المصانع والمطارات ومحطات تعبئة الوقود وغير ذلك مما اربك عمل الكثير من الناس والدولة.

ان الحركة بدأت بمطالب مشروعة لكن ما يشكل عليها انها اختطفت من قبل عناصر يمينية متطرفة وأخرى تنتهج العنف وتثير الاضطرابات الاجتماعية فأخرجتها عن سلميتها.

انعكاسها وتأثيرها على الواقع العراقي

فيما يخص الشأن العراقي لوحظ في التظاهرات الاخيرة في محافظة البصرة ثاني اكبر المدن العراقية ويقطنها اكثر من مليوني نسمة ظهور لأصحاب السترات الصفراء وبأعداد مرشحة للازدياد ولهم مطالب لتحسين الخدمات وحل مشكلة البطالة ورفض تصرفات المسؤولين في المحافظة طالبين منهم تقديم استقالتهم.

ويأتي هذا التحرك تأثراً بظاهرة اصحاب السترات الصفراء في فرنسا لاسيما وان الواقع العراقي يعج بالمشاكل وفي مختلف مجالات الحياة وفي مقدمتها الفساد الاداري والبطالة وتردي الخدمات بالإضافة الى سوء الحكم الذي تسبب في انهيار البنية التحتية وانقطاع الكهرباء وعدم توفر مياه شرب نظيفة خلال فصل الصيف.

ان البعض يهمّش هذه الظاهرة ويصفها بانها حمى انتقلت من فرنسا وبلجيكا وهولندا وسريعاً ما ستنتهي وهذا ما لا يبشّر به الواقع العراقي، وذلك لأسباب عديدة من بينها:

1- ان المشاكل التي تعاني منها قطاعات واسعة من الشعب لم تجد لها حلا بل وعود وتسويف .

2- التظاهرات والاحتجاجات لم تشهد انقطاعا في العراق، فهي تتأجج بين حين وآخر في المحافظات ، لان الكل سواء بالبلاء ويعاني من ذات المشاكل وهذا ما ينذر بتأججها وفي اكثر من محافظة. وبعد ظهور اصحاب السترات الصفراء في فرنسا ودول اخرى فان التظاهرات نشطت في العراق وخصوصا في البصرة.

3- الاحتجاجات الاخيرة في البصرة تزامنت مع تأخر تشكيل حكومة عادل عبد المهدي حيث لا يزال الصراع يخيّم على المشهد السياسي بسبب حقيبتي الدفاع والداخلية.

المخاوف من هذه الظاهرة

لا شك ان التظاهر والمطالبة بالحقوق حق مشروع كفله الدستور اذا كان سلميا ومراعيا لحقوق الجميع والممتلكات العامة ، ولكن ما يتخوف منه في العراق فيما لو اتسعت هذه الظاهرة:

1- ان تأخذ هذه الظاهرة الجوانب السلبية فقط والتي قامت بها مجاميع من اصحاب الستر الصفراء في فرنسا من اعتداء ونهب.

2- غياب القيادة التي يجب عليها ان تتحمل مسؤولية ما يحدث وتوجه المجاميع الثائرة نحو تحقيق اهدافها.

3- كما يخشى منها في العراق ان تتحول هذه الظاهرة الى وسيلة لتصفية الحسابات بين الكتل والاحزاب بدعوى الاحتجاج والمطالبة بالحقوق فينتج عن ذلك اعتداء وحرق للمقرات الحزبية والحكومية وغير ذلك.

باسم محمد