تشكيل الحكومة العراقية ومخاطر التأخير؟

مر على اجراء الانتخابات البرلمانية العراقية ما يقارب الثلاثة أشهر الا ان بوادر تشكيل الحكومة لا زالت غير واضحة في الأفق القريب، وما ينشر في الاعلام لا يتعدى كونه لقاءات وتنسيقات بين زعماء الكتل دون ان يكون هناك ثمّة اتفاق مذيل بتوقيع من قبلهم ليتمخض عنه تشكيل الكتلة الاكبر.

يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه وتيرة التظاهرات وارتفاع سقف المطالب فيها في محافظات عراقية عديدة.

لقد أسفرت الانتخابات البرلمانية عن صعود مجموعة من الكتل بنسب متقاربة من المقاعد البرلمانية مما صعب وعرقل تشكيل الكتلة الاكبر. ولا زالت اللقاءات والمباحثات والتفاهمات متواصلة للوصول الى تشكيل الكتلة الاكبر ولكنها لم تتفق على أسس وثوابت واضحة بسبب إختلاف الرؤى السياسية فيما بين الكتل والاحزاب، وتباعد المصالح المشتركة فيما بينها لاسيما وان معظم الأحزاب والكتل السياسية تسعى لإرضاء الأطراف الدولية والإقليمية التي ترتبط بها وتعمل على إدامة وتمتين العلاقة معها بغية دعمها.

ولا زالت المرجعية ومن خلال وكيلها وعبر صلاة الجمعة تدعو الى الاسراع في تشكيل حكومة تلبي مطالب الشعب وتضع الحلول لمشاكله وأن يكون رئيسها حازما وقويا ويقوم بالإصلاح والقضاء على الفساد المستشري في مؤسسات الدولة.

ومن خلال اطلالة سريعة على الواقع السياسي الذي يعيشه العراق حاليا تبرز ثمة حزمة من الاولويات يتطلب من زعماء الكتل والاحزاب الاخذ بها وابداء المرونة لكي لا تنتهي التوقيتات الدستورية، ومن بينها الالتزام بمباديء العمل المشترك، وعقد الاتفاقيات والتفاهمات، وتوحيد الرؤى المبتنية على العدالة والنهوض بالواقع المتردي، وايجاد الحلول للمشاكل المتفشية في المجتمع ومؤسسات الدولة.

ان المشهد السياسي في العراق الحالي يضعنا امام أمور عديدة من بينها:

1- استمرار التظاهرات الشعبية ، وتبقى قوتها وضعفها مرهونة بمدى استجابة الحكومة لمطالب المتظاهرين وليس ببعيد ان تخترق اسوار المنطقة الخضراء مما يجعل امر تشكيل الحكومة ليس سهلا على القادة السياسيين.

2- شهدت الانتخابات البرلمانية الاخيرة تفكك تحالفات وايجاد اخرى، مما جعل أمر تشكيل الكتلة الاكبر ليس سهلا ،والى الآن لا يعدو أمر اللقاءات فيما بين الكتل سوى مجاملات ومحاولات لتقريب وجهات النظر بسبب اختلاف الرؤى السياسية في التعامل مع الأحداث، وعدم وجود رؤية مشتركة لجميع المتحالفين مما انعكس سلبا على إستمرار تحالفاتهم وإرتباطاتهم. 

3- ان التوجيهات التي تصدر عن المرجعية جعلت السياسيين ملزمين بان يكونوا جادّين في تشكيل الحكومة الجديدة، وان من يتصدّى لها يجب ان يتمتع بخصائص تؤهله لإدارة البلاد من بينها: الشجاعة والكفاءة والنزاهة والحزم، وان يلتزم بالاستجابة وتلبية مطالب جوع الشعب المنتفضة.

4- مع ارتفاع سقف مطالب الجماهير ومطالبتها بتشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة، وكذلك ما اشار اليه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق (يان كوبيتش) في إجتماع مجلس الأمن الدولي بجلسته التي عقدت في8 أب 2018 والتي أشار فيها للنظام السياسي في العراق المستند على المحاصصة، فان القادة السياسيين وزعماء الكتل اصبحوا ملزمين بتشكيل الكتلة الأكبر بعيدا عن المعايير الطائفية والحزبية التي بُنيت عليها الحياة السياسية في العراق طيلة الخمسة عشر سنة الماضية وإلا فان لهيب التظاهرات سوف لن يخمد وهذا ما يخشاه السياسيين.

5- التدخل الامريكي المباشر في تشكيل الحكومة يقود البلاد الى ما لا تحمد عقباه ،فالدور الامريكي في العراق لم يكن يوما ايجابيا وما دعهم لداعش الا اقرب دليل على سياستهم العدوانية نحو العراق وشعبه، ولذا فان التدخل الامريكي في تشكيل الحكومة سيؤدي الى استمرار تدهور الاوضاع وفي مختلف المجالات  والابقاء على الفاسدين مع سلامة المصالح الامريكية وحلفائها في العراق.

ما تقدم قراءة سريعة لمجمل الاوضاع في الساحة السياسية في العراق، لا سيما وان الاحداث تتسارع، فهل سينتبه السياسيون قبل ان تفلت زمام الامور من ايديهم وتعود الاحداث الى المربع الاول حيث الفوضى وجرائم الخلايا النائمة ،وان تجد داعش بيئة جديدة توفر لها رئة تتنفس من خلالها وتمارس اجرائمها مجددا؟