التظاهرات الأخيرة إلى أين؟

باسم محمد

شهدت الكثير من مدن العراق ولا زالت حركة واسعة من التظاهرات تنوّعت تطلعاتها وتوجهاتها ومطالبها التي يرتفع سقفها يوماً بعد يوم، ما بين المطالبة بالخدمات العامة وتوفير المياه والكهرباء والقضاء على البطالة، وإلى مكافحة الفساد في دوائر الدولة، بالإضافة إلى طلبات بإلغاء مجالس المحافظات، والانتقال للنظام الرئاسي، ونقل مقرات الأحزاب وفصائل الحشد إلى خارج المدن والأحياء السكنية. علما بأن قسماً من تلك الطلبات بدا تعجيزياً لدرجة كبيرة وقسما منها يحتاج إلى تعديل دستوري لتمريره.

وتشير الدلائل الى ان شرارة التظاهرات اندلعت في محافظة البصرة في الثامن من شهر تموز حيث شارك مجموعة من المواطنين في وقفة احتجاجية للمطالبة بالوظائف أمام مقر إحدى الشركات النفطية العاملة في المدينة ومع تدخّل القوات الامنية لفضّ التجمّع حصلت المواجهة لتتمخض عن مقتل أحد المحتجين وإصابة 4 آخرين.

وبعد ذلك امتدت موجة الغضب لمحافظات أخرى، حيث اقتحم المئات مطار النجف الاشرف، وأوقفوا حركة الملاحة الجوية مما حدا  ببعض الدول ان تعلن إيقاف رحلاتها الجوية إلى أجل غير مسمى.

وفي تطور جديد ولأجل منع انتقال التظاهرات من ساحة التحرير إلى المنطقة الخضراء قامت القوات الأمنية بمنع المتظاهرين من عبور جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء، واستعملت السلاح والغاز المسيل للدموع والمياه في تفريق جموع المحتجين، الأمر الذي أدى إلى سقوط عددٍ من الجرحى وحدوث حالات الاختناق.

ولأجل احتواء الموقف واستيعاب التظاهرات أصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي البيانات والتوجيهات واعداً الاهالي ووجهاء وشيوخ العشائر بتوسيع وتسريع آفاق الاستثمار للبناء في قطاعات السكن والمدارس والخدمات وإطلاق درجات وظيفية لاستيعاب العاطلين عن العمل وإطلاق تخصيصات مالية إلى محافظة البصرة بقيمة 3,5 تريليون دينار فورا (حوالى ثلاثة مليارات دولار).

والامر نفسه مع محافظة ذي قار حيث أصدر العبادي عدداً من القرارات تخص المحافظة.

وقال خلال لقائه بشيوخ ووجهاء المحافظة والحكومة المحلية إن: (الحكومة مع المطالب المحقة للمتظاهرين واننا شكلنا خلية ازمة لتلبيتها، واتخذنا العديد من القرارات بخصوصها، وأن الحكومة حريصة على حل مشاكلها وان مهمة خلية الازمة ستكون رفع وتذليل العقبات لتقديم الخدمات وفرص العمل). 

ووعد بإطلاق التعيينات في محافظة ذي قار وتكليف وزارة المالية بتوفير الغطاء المالي في القطاعات المختلفة والمثبتة في وزارة المالية، اضافة الى دفع حصة المحافظة من البترودولار، ويعاد احتساب حصة محافظة ذي قار من الطاقة الكهربائية بموجب النسبة السكانية للمحافظة وتتولى وزارة الكهرباء العمل على تجهيز المحافظة بمحطات كهرباء متنقلة بأسرع وقت ممكن. ووعد باستكمال مشاريع البنى التحتية في المحافظة.

لكن هذه الوعود لم تفد، حيث لا زالت التظاهرات مستمرة بل اخذت بالتوسع يرافقها أعمال الشغب والسرقة والنهب واعتداءات لتخرجها عن سلميتها مما أدى إلى استشهاد ما لا يقل عن 8 اشخاص و56 جريحا بين المدنيين، وحوالي 260 مصابا من قوات الأمن، وإلحاق أضرار بممتلكات الدولة، وتتهم السلطات الامنية (محرضين) بتصعيد التوتر في البلاد واكدت التقارير تورط فلول البعثيين في استغلال التظاهرات بإطلاق الهتافات ضد ايران واستهداف مباني الاحزاب الشيعية ومقراً لتحالف الفتح الممثل للحشد الشعبي، ووفقا لهذه التقارير فان المندسين ينفذون مطالب سعودية بتحريك الشارع العراقي ضد ايران، واثارة الفتنة وزعزعة الاستقرار في محافظات الجنوب والوسط وهي المناطق الشيعية التي غذّت جبهات القتال بأكثر من مائة الف مقاتل تطوعوا في فصائل الحشد للقضاء على خطر تحالف داعش وفلول نظام البعث البائد.

وفي غضون ذلك، دخلت بعثة الأمم المتحدة في العراق على خطّ الاحتجاجات، إذ وصل المبعوث الأممي الخاص بالعراق، یان کوبیتش، إلى بغداد والتقى برئيس الوزراء حيدر العبادي الذي اخبره بانه ماض في توفیر المتطلبات الخدمیة لجمیع المحافظات . كما زار المبعوث النجف الاشرف وعقد عدة لقاءات فيها. كما ان مفوضية حقوق الانسان في العراق أعلنت عن الافراج عن 336 معتقلا على خلفیة التظاهرات في محافظات النجف والمثنى ومیسان وكل ذلك يأتي لامتصاص النقمة المتزايدة لأبناء المحافظات.

ان التظاهرات هي حق مشروع للجميع ولكي تثمر عن تغييرات جوهرية تصب في خدمة البلد والشعب لابد من:

1- المحافظة على سلميتها وعدم إحداث الشغب والتعرض للممتلكات العامة التي هي ملك الجميع.

2- الاتفاق على قيادات شعبية مستقلة تكون أهلاً للتفاوض مع الحكومة وانتزاع الحقوق.

3- برمجة المطالب وعدم إخراجها عن واقعيتها ليكون تحققها في الوقت الحاضر ممكناً وليس تعجيزياً.