تداعيات مقتل جمال الخاشقجي على الحكومة السعودية

منذ ان تم الاعلان عن مقتل الصحفي جمال الخاشقجي  في الثاني من تشرين الأول 2018م داخل القنصلية السعودية في اسطنبول والقضية لا زالت تأخذ أبعاداً اقليمية ودولية، مع مطالب رسمية وشعبية وبأعلى المستويات بالكشف عن المسؤولين بتنفيذ هذه الجريمة البشعة.

من هو جمال الخاشقجي

هو صحفي سعودي ولد في 13 تشرين الأول 1958في المدينة المنورة لأسرة ذات أصول تركية .

درس في ثانوية (طيبة)، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة لدراسة الصحافة في جامعة (إنديانا) ليتخرج منها عام 1983.

وأمضى سنوات شبابه وهو يدرس الأفكار الإسلامية، معتنقاً في الوقت ذاته أفكاراً ليبرالية.

شق طريقه في عالم الصحافة مراسلاً في صحيفة (سعودي غازيت) الإنجليزية، ثم مراسلاً لعدد من الصحف العربية اليومية والأسبوعية ومنها (الشرق الأوسط) في الفترة ما بين عامي 1987 و1999، واشتهر حينها بتغطياته الميدانية للحرب الأفغانية مع السوفيات، وحرب الخليج الثانية.

واشتهر خاشقجي بإجرائه لعدد من اللقاءات والمقابلات مع زعيم تنظيم القاعدة الارهابي أسامة بن لادن في أفغانستان والسودان.

وعيّن بعد ذلك نائبا لرئيس تحرير صحيفة (عرب نيوز) عام 1999واستمر في المنصب حتى العام 2003.

وبعد ذلك اختاره الأمير تركي الفيصل مستشاراً إعلامياً حينما كان سفيراً في لندن ثم واشنطن، واستمر في ذلك حتى عام 2007. ومن خلال هذه المنصب كان الخاشقجي يوضّح سياسة حكام آل سعود في عواصم صنع القرار في العالم، واصبح قريباً من مصادر المعلومات، حيث ترأس الفيصل قبل ذلك جهاز الاستخبارات العامة، وكان له الدور الكبير في رسم السياسات الخارجية .

في عام 2007 فتحت للخاشقجي آفاقاً كبيرة في عالم الصحافة، وذلك عندما تم تعيينه رئيسا لتحرير جريدة (الوطن) التي كانت تتميز بنشرها الآراء المناهضة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المدعومة من وزارة الداخلية آنذاك.  كما رافق الخاشقجي الملك عبد الله بن عبد العزيز في زيارته إلى لندن، ووقتئذ قدّمه الملك في حفل الاستقبال بقصر (باكنغهام) إلى ملكة بريطانيا على أنه أهم صحفي سعودي.

ولم تشفع له تلك الشهادة الملكية، فبعد أن خاض معارك فكرية واجتماعية بصحيفة (الوطن)التي كان يدعو فيها إلى التحديث والإصلاح، وجد نفسه محط هجوم من اطراف عديدة وأرغم بعدها على تقديم استقالته عام 2010.

وواصل خاشقجي عمله الصحفي وكتب ايضاً في صحيفة (الحياة) مؤيدا لرؤية المستقبلية للمملكة عام 2030 التي يقودها الأمير محمد بن سلمان، كما كان يدافع عن سياسة المملكة الخارجية خاصة انخراطها في حرب اليمن تحت اسم عاصفة الحزم، حتى باتت تستضيفه القنوات العربية ومراكز الأبحاث الأجنبية بوصفه محللا سياسيا مقربا من السلطة، وحظي بمتابعة واسعة بفضل ظهوره على شبكات التلفزيون العربية.

واستمر خاشقجي في الكتابة والتعبير عن آرائه التي كان يدافع في بعضها عن فكر الإخوان المسلمين رغم انتقاده لسياساتهم، وكان يدعو إلى استيعاب موجات الربيع العربي ومحاولة دعمها.

كما حذر بلاده في تغريدات ومحاضرات بمراكز فكر غربية من الانجرار والانخراط مع سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب مما اضطر خارجية بلاده  إلى إصدار بيان قالت فيه إن خاشقجي ليس له علاقة بالحكومة، وإن آراءه تعبر عن وجهة نظره الشخصية فقط.

في تلك الاثناء كانت بداية الافتراق مع السلطة ، فقد أخذت علاقة خاشقجي بالسلطات السعودية منحنى حاداً، فمنعته من الكتابة والتغريد لمدة تسعة أشهر، ليعود بعدها ويكتب في صحيفة (الحياة) مقالات لم ترق كثيراً للسلطات، حيث امتدح في بعضها فكر الإخوان، فقرر ناشر الصحيفة خالد بن سلطان آل سعود في كانون الأول 2017 إيقاف خاشقجي عن الكتابة نهائياً.

وحينما رأى حملات الاعتقال امتدت إلى رموز دينية واجتماعية وثقافية، وعدد منهم أصدقاء له، قرر في أيلول 2017 مغادرة السعودية إلى الولايات المتحدة.

ومن هناك  أخذ يكتب مقالات في صحيفة (واشنطن بوست) ينتقد فيها سياسة تكميم الأفواه واعتقال كل من يخالف رأي السلطة، كما انتقد محاربتها لجماعات الإسلام السياسي ومعارضتها للربيع العربي.

وقوبلت مقالاته بحملات إعلامية وتحريضية من الداخل ووصفته بأقذع التهم والشتائم. 

وفي الوقت الذي كانت السلطات السعودية تخوض فيه حملات دعائية لتلميع سياساتها وتسويق أجندة ملكها المرتقب (محمد بن سلمان)، كان الخاشقجي يكتب في كبريات الصحف الأميركية والغربية يفنّد بعض تلك السياسات، وإن كان يمتدح بعضها الآخر.

لماذا الاغتيال

ان مراجعة سريعة لمسيرة الخاشقجي الصحفية وقربه من العائلة الحاكمة تدلنا على مجموعة من الاسباب التي قد تكون لها دوافع مقنعة لتصفيته ومن بين تلك الاسباب:

1- قربه من العائلة الحاكمة واطلاعه على اسرار سياساتهم وانه تحول من مقرب لدائرة الحكم إلى أحد أبرز المنتقدين لسياساتها ،فقد كان يرافق الملك عبد الله في زياراته. وتولّى مناصب استشارية في الرياض وواشنطن، وفي مقدمتها مع الأمير تركي الفيصل الذي أدار الاستخبارات السعودية لأكثر من 20 عاماً.

وتقرّب الخاشقجي من الملياردير الأمير الوليد بن طلال، وأطلقا معاً في المنامة عام 2015 قناة (العرب) الإخبارية التي توقفت عن العمل بعد 24 ساعة فقط بعدما بثّت مقابلة مع شخصية معارضة.

2- دوره مع التنظيمات الارهابية واطلاعه على علاقة الحكومة والمسؤولين السعوديين في احتضانهم ودعمهم لتلك التنظيمات الارهابية ومن بينها: القاعدة والطالبان في أفغانستان في فترة القتال مع القوات الروسية ومن بعد ذلك داعش، فقد تم سابقاً ارساله لتغطية أخبار النزاع في أفغانستان، وظهر في عدة صور وهو يحمل سلاحاً رشاشاً ومرتدياً زيّاً أفغانياً .وأظهر تعاطفاً مع القاعدة في الحرب في الثمانينات ضد الاتحاد السوفياتي والتي موّلها السعوديون ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه".وأجرى مقابلات مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان والسودان، ما تسبّب له على الأرجح بوصفه (صديق بن لادن) في بعض وسائل الإعلام السعودية والعربية والغربية.

وحينما ظهرت داعش كتب في احدى مقالاته في (الحياة)عام 2014 بأن : داعش حركة سياسية دينية غاضبة، هي البديل عندما نلغي التدافع السياسي السلمي. وفي تغريدة له  عام 2015 قال: ان داعش ليست شرا مطلقاً !

3- اتساع دائرة متابعيه فقد بلغوا على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من 1.7 مليون متابع وهذا ما يقف عائقاً في ترويج وتلميع سياساتهم في الشبكة العنكبوتية وعبر الذباب الالكتروني الذي يعمل لهم ليلاً ونهاراً .

تداعيات الاغتيال

لا يشك احد اثنين بأنه لا يجرأ بأن يخطط شخص او مجموعة وجلّهم من المسؤولين والمقربين من البلاط الملكي لتنفيذ عملية استخباراتية كبيرة كهذه وبهذه الجرأة والقساوة ان لم يكن هناك ضوء اخضر من مصدر القرار نفسه في السعودية، وهو ولي العهد محمد بن سلمان. فمجموعة القتل التي بلغ عددها 15 شَخصاً لم تكن عادية ومن بینَهم طَبیب شَرعیٌّ، وخبیر بالسُّموم قدموا على مَتنِ طائرتین خاصّتین، ومعهم حُقن ومَواد تخدیر، وأسید حارِق، ومنشار کهربائیّ.

وبناء على ذلك فان تداعيات هذه الجريمة ستصيب رأس الهرم للسلطة في السعودية، وفي مقدمة تلك التداعيات هي:

1- اصبح المستقبل السياسي لولي العهد ابن سلمان في خطر، ومجيء الأمير احمد بن عبد العزيز وبحماية امريكية يدق خطر ناقوس التغيير، وان استبداله اصبح وارداً وممكناً. ولابد من الاشارة بان العِلاقات السعودیّة - الأمریکیّة سوف لن تتأثَّر إذا عزل ولي العهد  ابن سلمان مِن السُّلطة، فالأمراء السعوديون تربطهم مصالح مصيرية مع امريكا عبر علاقة تربو عَن سبعین عاماً.

2- الحقت هذه الجريمة اضراراً بالسلطة ليست على المستوى السياسي فحسب بل على المستوى الاقتصادي للسعودية التي تمر بظروف صعبة جراء الحرب على اليمن التي تكلف ماكنتها العسكرية النفقات الكبيرة ،وهذه الجريمة فرضت على السعودية ان تقدم تنازلات لترامب اللاهث لمال البقرة الحلوب السعودية ، ولصاحب القرار في تركيا أردوغان الذي وقعت الجريمة على اراضيه لغلق صفحة هذه الجريمة . كما ان عليهم اسكات الماكنة الاعلامية القطرية التي وجدت في هذا الحدث مادة دسمة تستطيع من خلالها تصفية حساباتها مع السعودية وتبتزها وتضعف حصارها عليها.

باسم محمد