مرکز الهدف للدراسات

Hadaf Center For Studies

12 March 2018

المهاتما غاندي

ولد الزعيم الروحي للهند المهاتما غاندي في 2 تشرين أول عام 1869م في بورباندار الهندية ودرس القانون ودافع عن الحقوق المدنية للهنود سواء كانوا  في وطنهم تحت الحكم البريطاني أو في جنوب إفريقيا.

عانى غاندي في مطلع شبابه عام 1885 من وفاة والده، وبالرغم من أنه كان مهتما بأن یكون طبیباً، فإن والده كان یأمل بأن یصبح ولده وزیراً في الحكومة وهو ما سعت إليه أسرته بأن مهدت له الطريق 

لمزاولة مهنة المحاماة.

وبعد فترة قصيرة من ولادة أول أبنائه أبحر غاندي إلى لندن في إنجلترا عام 1888 م لدراسة القانون وكان حین ذاك في الثامنة عشرة من عمره، فواجه تحدي الثقافة الغربیة الا انه حافظ على ثقافته وتقاليده، وأثناء فترة إقامته في لندن والتي دامت ثلاث سنوات، أصبح أكثر التزاما باتباع نظام غذائي خال من اللحوم كما أنه انضم إلى اللجنة التنفیذیة للجمعیة النباتیة في لندن، وبدأ بالانفتاح على أديان العالم فبدأ بقراءة مجموعة من النصوص المقدسة لیتعلم المزید عن تلك الأدیان.

وعند عودته إلى الهند في عام 1891م علم غاندي أن والدته كانت قد توفیت قبل أسابیع من قدومه، فكافح بعد ذلك لكي یقف على قدمیه محامياً، وفي أول قضیة له في قاعة المحكمة كان غاندي متوتراً عند لحظة استجواب الشاهد فلم يصمد وهرب على فوره من القاعة.

ثم كافح بعد ذلك للحصول على عمل في الهند فحصل على عقد لمد سنة واحدة مقابل أداءه خدمات قانونیة في جنوب أفریقیا، فأبحر إلى (دوربانفي) في جنوب أفریقیا التابعة لمقاطعة (ناتال) بعد ولادة ابن آخر له في نيسان عام 1893م.

وفور وصوله إلى جنوب أفریقیا شعر غاندي بالجزع بسبب التمییز والعزل العنصري الذي یواجهه المهاجرون الهنود على ید السلطات البریطانیة وسلطات البویر، وفي أول ظهور لغاندي في قاعة المحكمة في (دیربان) طُلب منه خلع عمامته إلا أنه رفض وغادر المحكمة، وقد سخرت منه صحيفة ذا ناتال أدفيرتايزر في إحدى طبعاتها ونعتته بأنه: (الزائر غیر المرحب به).

إنجازات المهاتما غاندي

في عام 1894م، شكّل غاندي مجلس (ناتال) التشریعي الهندي لمكافحة التمییز، وفي نهایة عقده الذي استمر لعام، استعد غاندي للعودة إلى الهند حتى أُخبِر في حفل وداعه عن مشروع قانون أصدر قبل تشكيل جمعیة ناتال التشریعیة من شأنه حرمان الهنود من حق التصویت، حینها أقنعه زملاءه المهاجرين بالبقاء وقیادة الكفاح ضد تشریع هذا القانون، وعلى الرغم من أن غاندي لم یتمكن من منع إقرار القانون إلا أنه لفت الانتباه الدولي إلى الظلم الحاصل على الهنود في ذلك الوقت.

وعاد غاندي بعد رحلة قصیرة إلى الهند في أواخر عام1896م وأوائل عام1897 م إلى جنوب أفریقیا مع زوجته وطفلیه، وقد ولدت له زوجته كاستوربا طفلین آخرین في جنوب أفریقیا أحدهما في عام 1897م والآخر في عام 1900م، وفي ذلك الوقت كان لغاندي عمل قانوني مزدهر، وعند اندلاع حرب البویر أنشأ فيلقاً من سيارات الإسعاف كان جميع عمالها من الهنود وفيها 1100م متطوع لدعم الجانب البريطاني قائلاً: إنه إذا كان الهنود يتوقعون أن یتمتعوا بحقوق مواطنة كاملة في الإمبراطوریة البریطانیة فإنهم بحاجة أیضاً إلى القيام بمسؤولياتهم.

واستمر غاندي بدراسة الدیانات في العالم في السنوات التي تواجد خلالها في جنوب أفریقیا وكتب حینها: "أصبحت الروح الدینیة في داخلي قوة حیة"، كما استغرق بقراءة النصوص الروحیة الهندوسیة وكان يعتمد البساطة في حياته والتقشف واعتزال الأمور المادیة.

وفي عام  1906م نظّم غاندي أول حملة جماعیة للعصیان المدني أطلق علیها اسم (ساتیاغراها) أي (الحقیقة والحزم)، وذلك رداً على القیود الجدیدة التي فرضتها حكومة (ترانسفال) على حقوق الهنود بما في ذلك رفض الاعتراف بالزواج الهندوسي، وبعد سنوات من الاحتجاجات سجنت الحكومة في عام 1913 مئات الهنود وكان غاندي من ضمنهم، وقبلت حكومة جنوب أفریقیا بعد الضغوط الكبيرة حلاً وسطاً تفاوض عليه غاندي والجنرال جان كریستیان سموتس، وتضمن الاعتراف بالزواج الهندوسي وإلغاء ضریبة الاقتراع للهنود، وعندما أبحر غاندي من جنوب أفریقیا عائداً إلى دیاره عام 1914 كتب سموتس: (لقد غادر القدیس شواطئنا وآمل من كل قلبي أن یكون ذلك إلى الأبد).

وبعد أن أمضى غاندي عدة أشهر في لندن عند اندلاع الحرب العالمیة الأولى عاد إلى الهند في عام 1915 والتي كانت ما تزال تحت السیطرة البریطانیة وأسس معبد الأشرم في أحمد آباد وكان يفتح أبوابه لكل الطوائف، وعاش خلالها غاندي حیاة مكرسة للصلاة والصیام والتأمل مرتدیاً رداء بسیطاً ووشاحاً وأصبح یعرف باسم (المهاتما) أي (الروح العظیمة).

وفي عام 1919 حصل ما يمكن اعتباره نقطة تنبيه سیاسي لغاندي وذلك عندما سمح قانون (رولات) الجدید الموافق عليه من قبل الحكومة البریطانیة بسجن المشتبه فیهم بالتحریض من دون محاكمة، فكان رد غاندي على ذلك دعوته إلى حملة (ساتیاغراها) للإضرابات السلمیة والاحتجاجات ولكن بدلاً عن هذا اندلع العنف الذي بلغ ذروته في الثالث عشر من نیسان عام 1919 فكانت نتیجته مذبحة (أمریتسار)، حيث أطلقت القوات البریطانیة بقیادة العمید البریطاني (ریجینالد دییر) النار باستخدام المدافع الرشاشة على حشد كبير من المتظاهرین العزل وقتلت ما یقارب 400 شخص، حینها لم یعد غاندي قادراً على التعهد بالولاء للحكومة البریطانیة وأعاد المیدالیات التي حصل علیها من خدمته العسكریة في جنوب أفریقیا وعارض مشروع التجنید الإلزامي للهنود للخدمة في الحرب العالمیة الأولى.

وأصبح غاندي شخصیة بارزة في الحركة الداعية الى الحكم الذاتي الهندي ودعا المسؤولین الحكومیین إلى التوقف عن العمل لصالح التاج البريطاني، والطلاب إلى التوقف عن الذهاب إلى المدارس الحكومیة ، والجنود إلى مغادرة مواقعهم، والمواطنين إلى إیقاف دفع الضرائب وشراء السلع البریطانیة في حملة مقاطعة شاملة، وبدلاً من شرائه الملابس المصنوعة في بریطانیا بدأ غاندي باستخدام عجلة الغزل المحمولة لإنتاج ملابسه الخاصة، وسرعان ما أصبحت عجلة الغزل رمزاً للاستقلال الهندي والاعتماد على الذات، ثم تولى غاندي قیادة المجلس الوطني الهندي ودعا إلى سیاسة اللاعنف وعدم التهاون من أجل تحقیق الحكم الداخلي.

وفي عام 1922 اعتقلت السلطات البريطانية غاندي موجهة له ثلاث تهم تحریضية، وعلى الرغم من الحكم علیه بالسجن لست سنوات إلا أنه أفرج عنه في شباط عام 1924 بعد إجراءه عملیة الزائدة الدودیة الجراحیة، واكتشف بعد إطلاق سراحه بأن العلاقات بین الهندوس ومسلمي الهند قد تغیرت خلال فترة تواجده في السجن ،لكن العنف اندلع مجدداً بین المجموعتین فبدأ غاندي بالصيام ولمدة ثلاثة أسابیع في خریف عام 1924.

وفي الوقت الذي كانت فيه بريطانيا العظمى منهمكة في الحرب العالمية الثانية عام 1942، أطلق غاندي حركة شعبية واسعة بشعار: (اخرجوا من الهند)، التي دعت إلى انسحاب القوات البريطانية بشكل فوري من البلاد، وفي آب عام 1942 اعتقل البريطانيون مجددا غاندي وزوجته وقادة آخرين للمجلس الوطني الهندي واحتجزتهم في قصر آغا خان الموجود في مدينة بونه ، فقال رئيس الوزراء ونستون تشرشل في خطابه أمام البرلمان تأييداً للإجراءات القمعية: "لم أصبح الوزير الأول للملك لأترأس عملية تصفية الإمبراطورية البريطانية"، ومع تراجع صحته أطلق سراح غاندي بعد 19 شهراً من الاحتجاز وتم ذلك بعد أن توفيت زوجته التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 74 عاماً بين ذراعيه في شباط عام 1944.

واندلعت أعمال العنف مرة أخرى بين الهندوس والمسلمين قبل أن تمنح الدولتان استقلالهما في 15 آب عام 1947، وازدادت بعد ذلك حوادث القتل والعنف فذهب غاندي بنفسه إلى مناطق اندلاع العنف في مسعى منه لإحلال السلام ، وصام في محاولة منه لإنهاء حمام الدم، إلا أن بعض الهندوس كانوا يعتبرون غاندي خائناً لإظهاره بعض التعاطف مع المسلمين.

وفاة المهاتما غاندي

في عصر يوم 30 كانون الثاني عام 1948 وفيه كان غاندي الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 78 عاماً ما يزال ضعيف الجسد بسبب إضرابه المستمر عن الطعام، ذهب بمساعدة حفيدته من مسكنه في نيو دلهي إلى تجمع للصلاة، عندها جاء الهندوسي المتعصب ناتهورام غودسي، والذي كان ناقماً من تعاطف غاندي مع المسلمين، وانحنى أمام المهاتما غاندي قبل أن يطلق عليه النار ثلاث مرات من مسدس شبه أوتوماتيكي من مسافة قريبة جداً، ليقتل بهذا العمل داعياً للسلام أمضى حياته يدعو إلى اللاعنف، وقد حكم على غودسي وشركائه في الجريمة بالإعدام شنقاً في تشرين أول عام 1949 في حين حكم على شركاء آخرين بالسجن مدى الحياة وبذلك انطوت آخر صفحة من حياة المهاتما غاندي بعد مسيرة شاقة لأجل أن تستقل وتحرر الهند من تبعية واستعمار السلطات البريطانية.

باسم الانصاري

تعليقات الزوار

أفلام وثائقية
صور نادرة
مصطلحات

رأسمالية

الرأسمالية نظام اجتماعي اقتصادي تُطلق فيه حرية الفرد في المجتمع السياسي، للبحث وراء مصالحه الاقتصادية والمالية بهدف تحقيق أكبر ربح شخصي ممكن، وبوسائل مختلفة تتعارض في الغالب مع مصلحة الغالبية الساحقة في المجتمع... وبمعنى آخر : إن الفرد في ظل النظام الرأسمالي يتمتع بقدر وافر من الحرية في اختيار ما يراه مناسباً من الأعمال الاقتصادية الاستثم ...

شاهد جميع المصطلحات